كيف يسعنا مواجهة الكراهية؟

"خطاب الكراهية" خطاب مؤذٍ وغير صائب، لذا علينا مواجهته بالمزيد من الخطاب.

السبب الجذري وراء الكراهية هو غالبًا الجهل وقلة الفهم. لذا نحن بحاجة إلى تدابير عديدة كتعليم أفضل ومساحات للنقاش المفتوح والمتين فضلاً عن إعلام يتسم بالتنوع والتعددية ويعطي تمثيلاً أفضل لجميع التيارات في المجتمع ولاسيما هؤلاء الذين يتعرضون للتهميش عادة. علينا أن نقوم بتوعية الناس حتى نجعلهم يدركون كيف يمكن للسياسيين استخدام الكراهية لتقسيم المجتمع ومن ثمة علينا تعزيز القدرة على التحمل والاعتراض على هذا الأساليب.

إن منع النقاشات ضمن فرض الرقابة على “خطاب الكراهية” لا يعالج الأسباب الكامنة وراء الكراهية والتمييز. فمن الصعب تغيير مشاعر وآراء من هم عرضة لرسائل الكراهية، كما يصعب أيضًا حماية الأشخاص المستهدفين بهذا الخطاب.

صحيح أنه يمكن الحد من أخطر أشكال خطاب الكراهية، إلا أن ذلك لا يكفي. فعلى الحكومات أن تقدم استجابات أكثر شمولاً وابتكارًا لضمان أنه بإمكاننا جميعًا العيش معًا إحياءً للتنوع والاختلاف. نحن بحاجة إلى حكومات شفافة تخضع للمساءلة فضلاً عن إعلام حرّ ومستقل حتى نتمكن بكل حزم من مواجهة محاولات تحويل المجموعات المهمشة إلى كبش فداء من خلال نشر معلومات مضللة بشأنها.

ماذا يسعنا فعله إذًا؟

نحن كأفراد أو مجموعات يمكننا فعل الكثير لمواجهة الكراهية وبناء مجتمع أفضل.
إذا اطلعنا على المعلومات في هذا المجال ونظمنا عملنا، يمكننا استخدام حقوقنا في حرية التعبير لتعزيز المساواة بين الجميع والتصدي للكراهية والتمييز.

بناء خطاب مضاد للكراهية

تنطوي حرية التعبير على بناء المعرفة من خلال تبادل الأفكار والآراء. فإنشاء مساحة للنقاش المفتوح والتحاور يسمح لنا بتكوين فهم لبعضنا البعض وإدراك قيمة الأمور المشتركة التي تجمعنا وتلك التي تميزنا وتجعلنا مختلفين عن بعضنا البعض.

وفي الوقت نفسه، يستخدم البعض حقه في حرية التعبير للترويج لمعلومات خاطئة حول مجموعة ما ولإثارة عدم الثقة وسوء التفاهم، وذلك من شأنه أن يؤدي إلى التمييز والعنف. وقد يحصد هذا الخطاب للأسف شعبية كبيرة. فهو يقدم عادة تفسيرات وحلول بسيطة لمشاكل معقدة؛ أي يمنح الناس هدفًا سهلاً لإلقاء اللوم عليه والشعور بالخوف منه. كذلك يمكن لهذا الخطاب أن يمنح شعورًا بالأمان والتضامن داخل مجموعة مهيمنة حيث يتم تعزيز مشاعر البغض والأحقية المشتركة.

من غير المرجح أن يؤدي الاعتماد على القانون الجنائي والعقاب كاستجابة أساسية لخطاب الكراهية إلى المواجهة الفعالة للأسباب الكامنة وراء هذا الخطاب. فهل يمكن لعقوبة السجن أو الغرامة المالية أن تدفع الناس إلى تغيير رأيهم؟ ما من دليل يذكر على ذلك بل يمكن له أن يأتي أيضًا بنتائج عكسية. ما من دليل يذكر أيضًا على أن هذه الإجراءات تحسن من أوضاع أولئك الذين تستهدفهم الكراهية.

من ناحية أخرى، تتطلب المبادرات لإقامة تواصل بين مجموعات مختلفة وتبادل التجارب بينها وقتًا أطول واستثمارًا أكبر، ولكن من شأنها استبدال الريبة بالفهم والثقة.

إن المجتمعات الشاملة للجميع والمرحبة بالنقاش تمتلك على الأرجح قدرة أكبر على مقاومة خطاب الكراهية بالمقارنة مع المجتمعات التي تفرض فيها الحكومة رقابة عالية على الخطاب العام.

ارفع صوتك في مواجهة الكراهية

ارفع صوتك وارفض “خطاب الكراهية” كلما شاهدته وشجع الآخرين على القيام بالمثل. ينبغي أن يمارس الضغط على السياسيين البارزين وغيرهم من الشخصيات العامة للوقوف بدورهم في وجه الكراهية ومعارضتها. ومن يتوانى عن القيام بذلك، ينبغي أن يكون محط انتقاد.

تنتشر الكراهية على نحو أكبر وأسهل حيث لا تتم معارضتها. فرفع الصوت تصديًا لها يشكل سبيلاً مهمًا كي تثبت أنك ترفض الكراهية والتمييز وكي تظهر أيضًا تضامنك مع أولئك الذين تستهدفهم الكراهية وقد يكونون في موقع لا يسمح لهم برفع الصوت. قد تشكل مواجهة الكراهية طريقة إيجابية لإتاحة المجال أمام ضحايا التمييز للتعبير وإيصال صوتهم.

اصغٍ واستفهم وشارك بشكل بنّاء

أن تقول للذين يشاركون في خطاب الكراهية أو ينشرونه إنهم على خطأ أو إنهم جاهلون قد يتسبب بردود فعل دفاعية ولا يتيح أي فرصة لتغيير آراء الأشخاص. وقد يدفع ذلك أيضًا الأشخاص إلى التشبث أكثر برأيهم وزيادة إصرارهم على الترويج للكراهية.

إن تجنب الإساءة لدى مواجهة الكراهية لأمر استراتيجي. فكّر في طرح أسئلة تتناول سبب اعتناق الفرد لآراء معينة وإذا كان من الممكن التطرق إلى أحكامه المسبقة وأفكاره النمطية من خلال الحوار والتعرض لأفكار ومصادر معلومات جديدة. قد تكون هذه التجربة محبطة ومرهقة وقد تتطلب الصبر والمثابرة، ولكن يمكن للبديل عنها أن يؤدي إلى مزيد من الأذى.

تلقف المعلومات بطريقة نقدية

تعرّف على طريقة عمل “خطاب الكراهية”؛ من يشارك فيه وما الغرض منه؟ من أين يحصل هؤلاء على معلوماتهم وهل هي موثوقة؟

يعدّ تلقف المعلومات بطريقة نقدية مهارة أساسية لمواجهة خطاب الكراهية. كلما تمكنت من البحث والتشكيك في مصدر المعلومات المطروحة ودقة ما يقال والتحيزات التي قد تكمن وراء عرضها، تعرفت بفعالية أكبر على الخطاب التمييزي وسلطت الضوء عليه.

من المهم أيضًا الحصول على المعلومات من مصادر متنوعة، أولاً للتأكد من أنك مطلع في ما فيه الكفاية لخوض أي نقاش وأيضًا لفهم كيفية حصول الآخرين في المجتمع على المعلومات وإذا ما كان ذلك يفسر الأحكام المسبقة والتحيزات التي يتبنونها. هل يعلمون أن وسيلة الإعلام الوحيدة التي يستمعون لها تابعة للحكومة وأن الصحافيين الانتقاديين العاملين هناك تعرضوا للصرف؟ هل يعلمون أن أحد المعلقين فيها لديه ارتباط بمجموعات من اليمين المتطرف؟

كن أحد المدافعين عن حقوق الإنسان

ادعُ حكومتك إلى نص قوانين وسياسات أفضل لمواجهة الكراهية وتوفير الحماية التامة لحقوق الإنسان في المساواة وحرية التعبير.

قم بإنشاء أو دعم مجموعات من المجتمع المدني لاسيما على المستوى المحلي لسد الثغرات بين المجتمعات المحلية وتعزيز المساواة ومواجهة التمييز.

تواصل مع الناس على الانترنت عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشارك في تظاهرات تنادي بالمساواة.

شجع قادتك الدينيين والسياسيين والمحليين على اتخاذ موقف ضد الكراهية وانتقادها أينما حلّت والمشاركة في نشاطات لمخاطبة عدم تقبل الآخر وتعزيز التفاهم المتبادل.

نادي بقطاع إعلامي مستقل عن الحكومة يتسم بالتعددية والتنوع في وجهات النظر التي يعرضها والأشخاص الذين يمنحهم منصة للتعبير. لا بد للتشكيك في سبب غياب أصوات الأقليات والمنتقدين عن المنصات الإعلامية من أن يدفعك للتفكير في كيفية معالجة هذا الأمر.

وسيساهم ذلك في مواجهة جذور الكراهية وبناء أسس لمجتمع قوي يثمن التنوع والاختلاف.

توخى الحذر ولا تفقد الأمل

في بعض الدول، يكون الحيز المتاح للمجتمع المدني محدودًا للغاية والتعبير مراقبًا بشدة إلى درجة أن الدفاع علنًا عن حماية حقوق الانسان قد يعرضك للخطر. يمكن للمجموعات المناهضة للمساواة وحقوق الإنسان أن تكون عنيفة ومخيفة. وقد تشكل مناصرة العدالة الاجتماعية مهمة شاقة من دون أي نتيجة. لذا فإن توخي الحذر هو أساس الاستمرارية.

من المهم البقاء في أمان. عليك أن توازن بين أثر أعمالك (كالانخراط في مظاهرة ما) وأمنك الذاتي بالإضافة إلى أمن الآخرين من حولك. ومن الضروري جدًا الحرص على امتلاك شبكة دعم يمكنك للجوء إليها في أوقات الشدة. إن كنت مكلفًا بالعمل التنظيمي، فأنت تحتاج إلى خطط لحماية أمنك الرقمي والجسدي بما يشمل تنبيه الآخرين في حال ساءت الأمور حتى تتمكن من الحصول على المساعدة التي تحتاجها لمتابعة عملك بأمان.

راجع دليل المادة 19 حول كيفية حماية نفسك في المظاهرات.

ما الذي ينبغي على حكوماتنا فعله؟

إن الحكومات مسؤولة عن بناء بيئات ملائمة حيث يمكن للجميع الازدهار وحيث تكون حقوقنا محمية.

ثمة الكثير من التدابير الإيجابية التي يمكن بل ينبغي على الحكومات اتخاذها لتعزيز المساواة وعدم التمييز وحماية حرية التعبير. علينا أن نفهم ما هي هذه التدابير حتى نتمكن من دعوة حكوماتنا إلى تنفيذها.

للمزيد من المعلومات حول تدابير السياسة العامة الموصى بها راجع مواردنا أدناه.

1. بناء بيئة مؤاتية لحرية التعبير

إلغاء القوانين أو إصلاحها

يجب لأي استراتيجية لتفعيل الاستجابات الناجعة ضد خطاب الكراهية أن تتضمن أيضًا إلغاء أو إصلاح القوانين التي تحد بغير وجه حق من الحق في حرية التعبير، ولاسيما تلك التي تستهدف الأقليات والمجموعات المهمشة أو تطالهم بشكل غير متكافئ. من هنا، ينبغي على الدول إلغاء:

قوانين التجديف بأشكالها كافة؛

  • جميع القوانين التي تحمي مفاهيم مجردة تتعلق “ببناء الدولة” والوحدةالوطنية، بما في ذلك الأحكام التي تحمي الدولة أو مؤسساتها أو رموزها من النقد أو السخرية (كالتحريض على العصيان)؛
  • جميع القوانين التي تجرم التشهير، بما فيها القوانين التي تحميالمسؤولين الحكوميين ورؤساء الدول على وجه الخصوص من الإهانة والسخرية؛
  •  >جميع القوانين التي تعزز المفاهيم الفضفاضة المتعلقة بالآداب العامة أوالتي تحمي ما يسمى بالقيم التقليدية للتمييز على أساس الجنس أو النوع الاجتماعي أو الهوية الجندرية أو الميول الجنسية؛
  • القوانين التي تفرض الحصول على ترخيص للتظاهر، أو التي تمنع المظاهراتالعفوية أو المضادة، بما أنها تعيق القدرة على الاستجابة الفعالة والجماعية والسلمية للعنف وعدم تقبل الآخر، بما يشمل الاستجابة لحالات خطاب الكراهية؛
  • القوانين التي تضع حواجز تمييزية أو غير ضرورية أو غير متكافئة أمام حريةتكوين الجمعيات، بما أن هذه الأحكام ولاسيما تلك التي تحد من الوصول إلى الموارد تعيق قدرة منظمات المجتمع المدني على مراقبة التمييز والعنف بشكل فعال والاستجابة لهما؛
  • قوانين مكافحة الإرهاب أو التطرف الفضفاضة، لضمان أن تصاغ أي قيود تُفرض على حرية التعبير صياغة ضيقة لحماية مصالح الأمن القومي الفعلية والتصدي للتمييز ضد الأقليات أو تنميطها.

وضع حد لإفلات المعتدين على الأصوات النقدية والمستقلة من العقاب

ينبغي أيضًا على الدول أن تبذل جهودًا متضافرة لوضع حد لإفلات المعتدين على الأصوات النقدية والمستقلة من العقاب. ففي مجتمعات عدّة، قد يثير الاحتجاج وتنظيم الحملات ضد العنف وعدم تقبل الآخر مخاوف أمنية كبيرة لدى الأفراد وزملائهم وعائلاتهم. إن التهديدات وغيرها من أشكال العنف ضد الأفراد الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير بالإضافة إلى إفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب يشكل مسألة ملحة تحمل عواقب خطيرة على المجتمع بأكمله.
على الدول أن تحرص على إدانة أي اعتداء على الأفراد الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير بشكل قاطع وعلى المسؤولين الحكوميين تجنب التصاريح التي قد تشجع أو تظهر دعمًا لمثل هذه الاعتداءات.
ينبغي على الدول أن تقوم على وجه الخصوص بـ:
● اتخاذ إجراءات خاصة لحماية الأفراد المعرضين للاستهداف جراء ما يقولونه؛
● الحرص على أن تخضع الجرائم ضد حرية التعبير لتحقيقات وملاحقات مستقلة وسريعة وفعالة؛
● والحرص على أن يصل ضحايا الجرائم ضد حرية التعبير إلى سبل الانتصاف المناسبة.

ضمان الشفافية والحق في الوصول إلى المعلومات

على الدول أيضًا الحرص على الشفافية في سير الشؤون العامة وضمان حق الجميع في الوصول إلى المعلومات. إن ثقافة السرية الرسمية، التي يحرم الأشخاص على إثرها من حق الوصول إلى المعلومات، تسمح لأصحاب النفوذ بإلقاء اللوم على الأقليات والمجموعات المهمشة لتشتيت الانتباه عن أعمالهم الخاطئة أو فشلهم السياسي. بالمقابل، فإن ثقافة الانفتاح والتدفق الحر للمعلومات يقللان من فعالية هذه المحاولات للتلاعب بهويات المجموعات على الصعيد السياسي؛ كما يسمح ذلك بتوفر معلومات للعلن يمكن استخدامها لمجابهة محاولات التقسيم هذه. كذلك يمكن للشفافية والمساءلة توليد الإيمان والثقة في المؤسسات العامة من بين جميع قطاعات المجتمع. وبالتالي هذا يجعل الأفراد والمجموعات أقل عرضة للدعوات إلى العنف بأشكاله الانتقامية أو الأهلية.

حماية الحق في حرية التعبير على الانترنت

على الدول أيضًا الحرص على حماية الحق في حرية التعبير حماية تامة عندما يتعلق ذلك بالتكنولوجيا الرقمية. فهذه الأخيرة وسيلة مهمة لنا جميعًا غير أنها تسمح للأقليات والمجموعات المهمشة على وجه الخصوص ببناء المجتمع والمشاركة فيه بالإضافة إلى التماس الدعم والتحدث بحرية عن المسائل المقلقة، بما فيها عدم تقبل الآخر وخطاب الكراهية.

ولكن، بسبب حجم المعلومات الكبير المتداول عبر الانترنت – بعضه غير قانوني أو حتى مؤذي- ثمة ضغط متزايد على الدول والشركات الخاصة لرفع مستوى الرقابة على المحتوى الالكتروني. ويشمل ذلك دعوات لمنع خاصية إخفاء هوية مستخدمي الانترنت أو تسهيل سبل تقويض هذ الخاصية، فضلاً عن مقترحات تدعو الوسطاء إلى تشديد المراقبة على المحتوى أو إزالته بشكل استباقي و/أو تحميل الوسطاء مسؤولية عدم القيام بذلك. قد تهدد هذه الإجراءات طبيعة الانترنت بصفته منصة مفتوحة لتبادل الآراء والأفكار، وتحد من الفسحة المبتكرة لتسليط الضوء على خطاب الكراهية والاعتراض عليه ومواجهته.

 

في هذا الشأن، توصي المادة 19 بأن تعمل الدول على:

 

  • حماية حق الفرد في إخفاء هويته على الانترنت كعنصر أساسي من حق حرية التعبير، وتشجيع الأعمال التجارية الخاصة على ضمان إخفاء الهوية كخيار فعلي تقدمه لمستخدمي خدماتها؛
  • الحرص على ألا يُحمّل الوسطاء مسؤولية المحتوى الذي ينشره الغير، وألا تفرض قيود على المحتوى سوى بأمر من السلطة القضائية فقط؛
  • تزويد مستخدمي الانترنت بسبل الانتصاف الفعال ضد الأطراف الخاصة حيث قامت من دون وجه حق بالتدخل في حقوق الانسان الخاصة بمستخدميها.

2. ضمان الحماية المطلقة للحق في المساواة وعدم التمييز

إلغاء جميع القوانين والسياسات

إلغاء كل القوانين والسياسات التي تضفي الطابع المؤسسي بشكل رسمي أو غير رسمي على التمييز والإقصاء وذلك على أي من الأسس المحمية والمعترف بها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. فمجرد وجود هذه القوانين ينمي بيئة تغض النظر عن التمييز أو حتى تشجع عليه ضمنًا.

سن تشريعات لمكافحة التمييز أو تعزيزها

سن تشريعات لمكافحة التمييز أو تعزيزها، ولاسيما ضمان أن هذه القوانين بحدها الأدنى:

  • تحمي من التمييز المباشر، أي المعاملة المجحفة بحق فرد ما، بالمقارنة مع المعاملة التي يتلاقها آخرون في وضع مشابه بسبب خاصية مشمولة بالحماية.
  • تحمي من التمييز غير المباشر، أي حين تؤثر قاعدة أو معيار أو ممارسة ما تحمل طابعًا محايدًا على مجموعة ذات خاصية مشمولة بالحماية بطريقة سلبية أكثر بالمقارنة مع تأثيرها على الآخرين، في الحالة نفسها؛
  • تسمح باتخاذ تدابير خاصة بشكل موقت لمخاطبة التمييز غير المباشر وضمان المساواة الفعلية، طالما أن هذه التدابير ضرورية ومتكافئة؛
  • تشمل أوسع نطاق من الخصائص المشمولة بالحماية المعترف بها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان كأساس محتمل للكراهية والأفعال القائمة على التمييز؛
  • تنطبق على مجموعة كبيرة من المجالات المحددة، بما فيها: العمالة؛ والأمن الاجتماعي؛ والوصول إلى الاستحقاقات الاجتماعية؛ والتعليم؛ وتوفير السلع والخدمات؛ والسكن؛ والوصول إلى العدالة؛ والحياة الخاصة والعائلية بما يشمل الزواج؛ والمشاركة السياسية بما يشمل حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع؛ وتطبيق القانون؛
  • تشمل عناصر دفاع للقضايا التي ترتكز فيها المعاملة التفضيلية بشكل موضوعي على هدف شرعي، وتعتبر سبل تحقيق هذا الهدف مناسبة وضرورية؛
  • توفر مجموعة من سبل الانتصاف بشكل أساسي في القانون المدني والإداري، بالإضافة إلى آليات لإعادة التقويم غير تلك القانونية مثل الوساطة والسبل البديلة لحل النزاعات التي قد توفرها المؤسسات المعنية بالمساواة.

ضمان اعتراف أطر القانون الجنائي على الجرائم المرتكبة بدافع التحيز والمعاقبة عليها كما يجب

على الدول أن تضمن أن أطر القانون الجنائي الخاصة بها تعترف تمامًا بالجرائم المرتكبة بدافع التحيز وتفرض عليها العقوبات المناسبة. كذلك على الدول أن تضم في هذه القوانين أوسع مجموعة من الخصائص المشمولة بالحماية. يجب أن تتم مراقبة التنفيذ الفعال لهذه القوانين من أجل الحرص على تشجيع الضحايا على التبليغ عن هذه الجرائم وضمان جمع الإحصاءات الرسمية حول عدد الحوادث المبلغ عنها وعدد الملاحقات الناجحة والمصنفة حسب نوع التحيز قيد البحث.

إنشاء مؤسسات مستقلة معنية بالمساواة

على الدول إما إنشاء مؤسسات مستقلة معنية بالمساواة أو تعزيز دورها، أو توسيع نطاق صلاحيات المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان من أجل تعزيز الحق في المساواة وعدم التمييز وحمايته، ضمن احترام الحق في حرية التعبير.

 

ويجب منح هذه المؤسسات الصلاحيات اللازمة التي تخولها:

 

  • وضع آليات جمع البيانات حول درجة التمييز وأثره في المجالات ذات الأولوية ليسترشد بها في وضع القوانين والسياسات ومراقبتها وتقييمها، ولتعزيز الأبحاث التجريبية وغيرها في هذا الشأن؛
  • مساعدة المشرعين والحكومة في وضع قوانين وسياسات تتماشى مع الموجبات الدولية للدول المتعلقة بحقوق الإنسان، بما يشمل حرية التعبير وعدم التمييز، مع التشجيع المطلق والفعال على مشاركة المجتمع المدني في هذه العمليات؛
  • تلقي الشكاوى المتعلقة بالتمييز وتوفير آليات بديلة/طوعية لحل النزاعات، حيثما اقتضى الأمر ذلك؛
  • تكملة المعلومات وتقديمها لآليات الإنذار المبكر الحكومية أو جهات التنسيق التي تراقب التوترات داخل أو بين المجتمعات المختلفة؛
  • والحث على إنشاء آليات للتفاعل والحوار بين المجتمعات المحلية ودعمها عند الاقتضاء.

 

من المهم ألا تعمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان أو الهيئات المعنية بالمساواة بمعزل عن بعضها البعض، بل يجب تمكينها من بناء شراكات مع وكالات القطاع العام، وعند الاقتضاء مع فاعلين من القطاع الخاص والمجتمع المدني، من أجل مواجهة الأسباب الجذرية وراء التمييز. في هذا الخصوص، على هذه المؤسسات أن تؤدي دورًا جوهريًا في وضع خطط العمل الوطنية وتنفيذها بغية مواجهة الأسباب الجذرية وراء التمييز عبر الاسترشاد بالتدابير المشار إليها في عدة الأدوات هذه بالإضافة إلى القرار رقم 16/18 الصادر عن مجلس حقوق الإنسان، وخطة عمل الرباط. للمزيد من المعلومات حول هذه المستندات، راجع دليلنا.

3. تدابير إيجابية للدول تتعلق بالسياسة العامة

بغية مواجهة الكراهية، على الدول أن تتخذ مجموعة من تدابير إيجابية وغير قسرية تتعلق بالسياسة العامة تشمل جميع نواحي الحياة العامة، وذلك لمواجهة الحكم المسبق والتمييز، وللاستجابة لخطاب الكراهية. لن تستدعي بالضرورة هذه التدابير الخاصة بالسياسة العامة سن قوانين وتشريعات.

ينبغي لهذه التدابير أن تبنى على عدم التمييز وتتوافق مع التزام متين من المسؤولين الحكوميين باحترام حقوق الانسان كما الالتزام بتعزيز الحوار ودعم مشاركة جميع أطياف المجتمع.

الاعتراف على عدم تقبل الآخر ومواجهته

على المسؤولين الحكوميين ومن بينهم السياسيين، أن يؤدوا دورًا أساسيًا في الاعتراف بعدم تقبل الآخر والتمييز والتصدي لهما فورًا، بما في ذلك حالات خطاب الكراهية. ويتطلب ذلك الاعتراف بالعبارة بحد ذاتها ورفضها، بالإضافة إلى الحكم المسبق التي تنتج منه، والتعبير عن الدعم للأفراد أو المجموعات المستهدفة التعاطف معهم، واعتبار هذه الأفعال مصدر أذى للمجتمع برمته. وتعد هذه المداخلات مهمة خاصة حيث تبرز التوترات بين المجتمعات المحلية، أو تكون عرضة للتصاعد، وأيضًا حيث يكون مستوى الرهانات السياسية عاليًا كما هي الحال في مرحلة الإعداد للانتخابات على سبيل المثال.

 

يمكن للمداخلات المبكرة والفعالة من جهة المسؤولين الحكوميين أن تلعب دورًا وقائيًا مهمًا في الحيول دون تصاعد حدة التوترات، وردع الآخرين عن الانخراط في مثل هذه الأفعال. كذلك يمكن لها أن تلعب دورًا مهمًا في إفساح المجال أمام فاعلين آخرين لتوجيه خطاب مضاد، لاسيما هؤلاء الذين يستهدفهم خطاب الكراهية، بالإضافة إلى حلفائهم المتعاطفين معهم بمن فيهم الأغلبية الصامتة التي يدّعي أنصار خطاب الكراهية غالبًا التحدث باسمها. يمكن للمسؤولين الحكوميين إذًا لعب دور أساسي في الحض أو التشجيع على توسيع نطاق الحوار ما قد ينجح في التصدي لعدم تقبل الآخر والتمييز.

 

ثمة حاجة لإجراء المزيد من الأبحاث للنظر في الظروف التي يشكل فيها الخطاب المضاد الموجه من قبل المسؤولين الحكوميين ردًا ذات فعالية أكبر على حالات عدم تقبل الآخر والتمييز. قد تبقى إدانة خطاب الكراهية غير كافية إذا لم ينجح المسؤولون في التعامل بطريقة فعالة ومقنعة مع المخاوف والتصورات الضمنية الخاطئة التي تجعل جزءًا من العامة عرضة لمثل هذه الرسائل. لذلك، يجب أن تكون استجابات المسؤولين الحكوميين مفصّلة وأن تذهب أبعد من مجرد الاستنكار من أجل توجيه خطاب مضاد يقوم على حقائق تستجيب للهموم والمخاوف العامة وتواجهها عند الاقتضاء. ولكن، يجب على المسؤولين تجنب الرد على خطب الكراهية حيث أن ذلك يمنح أهمية لا لزوم لها لمواقف المتطرفين، من أفراد ومجموعات، الذين لا يؤثرون في الخطاب العام.

 

والأهم إحاطة المسؤولين علمًا بضرورة تجنب القيام بتصريحات من شأنها أن تعزز التمييز وتقوض المساواة، كما عليهم استيعاب مخاطر تسخيف أثر العنف والتمييز، بما يضم خطاب الكراهية، فضلاً عن السكوت على هذه التحديات لأنه يوازي الموافقة عليها ضمنيًا. في هذا الشأن، يجب أن تضع الهيئات العامة قواعد واضحة تدير سلوك الأفراد متحدثة بصفها جهة حكومية مسؤولة. ويجب على مدونات القواعد الأخلاقية وسياسات عدم التمييز المعتمدة من قبل الأحزاب السياسية أن تصنف من بين التدابير الإيجابية المتعلقة بالسياسة العامة.

التدريب في مجال المساواة

إن بناء الثقة في قدرة المؤسسات العامة على مواجهة عدم تقبل الآخر والتمييز يفرض على المسؤولين الحكوميين أن يعوا تمامًا طبيعة التمييز وأثره على أفراد ومجموعات مختلفة، وأن يلتزموا التزامًا كاملاً بتعزيز المساواة.

على الدول أن تزود المسؤولين الحكوميين والشخصيات العامة والمؤسسات الحكومية بدورات تدريبية عن الحق في المساواة وعدم التمييز، لاسيما حيث يحمل التمييز طابعًا مؤسسيًا، أو حيث لم تتم مواجهته تاريخيًا من قبل. ويجب أن تشمل الأطر ذات الأولوية المدارس والمنشآت التعليمية الأخرى، والقوات المسلحة والشرطة والقضاء ومهنة الطب والخدمات القانونية والجمعيات السياسية والمؤسسات الدينية.

 

قد يشكل التدريب في مجال المساواة جزءًا من مجموعة واسعة من التدابير المصممة لمواجهة التمييز الذي يحمل طابعًا مؤسسيًا، ويجب أن يصل بوضوح إلى العامة لتبيان أين تبذل الجهود لبناء الثقة في المؤسسات.

السياسة العامة للتعددية والمساواة في الإعلام

ينبغي على كل الدول الحرص على وضع إطار عمل عام وإطار عمل منظم لإعلام يتسم بالتنوع والتعددية، الأمر الذي يعزز التعددية والمساواة بناءً على ما يلي:

  • يجب أن يحترم إطار العمل المبدأ الأساسي الذي يقول بأن أي شكل من أشكال تنظيم الإعلام يجب أن تتخذه هيئات مستقلة عن الحكومة تخضع للمساءلة علنًا وتعمل بشفافية؛
  • يجب أن يعزز إطار العمل حق المجتمعات المحلية المختلفة في الوصول بحرية إلى الإعلام والمعلومات وتكنولوجيا الاتصالات لإنتاج محتوى خاص بهم ونشره، وأيضًا لتلقي محتوى من إنتاج أشخاص آخرين، بصرف النظر عن الحدود الجغرافية.

 

لا بد من وضع إطار العمل هذا وغيره من الأطر، من خلال اتخاذ التدابير التالية:

 

  • تعزيز الوصول الشامل بكلفة مقبولة إلى وسائل الاتصال التي تسمح بنقل خدمات الإعلام وتلقيها، بما فيها الهواتف والانترنت والكهرباء.
  • إلغاء التمييز المتعلق بحق إنشاء الصحف والإذاعات والمحطات التلفزيونية وغيرها من أنظمة التواصل؛
  • تخصيص مساحة كافية لأوجه استخدام البث الإذاعي والتلفزيوني على مختلف منابر الاتصال بغية تمكين عامة الجمهور من تلقي مجموعة متنوعة من خدمات البث الإذاعي والتلفزيوني.
  • توزيع الموارد بشكل منصف، بما يشمل ترددات البث فيما بين القطاع العام، ووسائل الإعلام التجارية والمجتمعية، بحيث تشكل مجتمعة مجموعة واسعة من الثقافات والمجتمعات المحلية والآراء في المجتمع.
  • إلزام الهيئات الإدارية للجهات المنظمة للإعلام بأن تعكس المجتمع ككل بنطاقه الواسع؛
  • اتخاذ تدابير فعالة منعًا للتركز المفرط في ملكية وسائل الإعلام؛
  • توفير الدعم العام، أكان ماديًا أو بأشكال أخرى، من خلال عملية مستقلة وشفافة قائمة على معايير موضوعية، من أجل تعزيز تزويد الجميع بالمعلومات الموثوقة والتعددية إبان صدورها، وتعزيز إنتاج المحتوى ما يساهم في التنوع أو يعزز الحوار بين المجتمعات المختلفة؛
  • إلغاء كل القيود المفروضة على استخدام لغات الأقليات لأنها تؤدي إلى إحباط أو منع الإعلام الموجه بشكل خاص إلى المجتمعات المختلفة؛
  • جعل التنوع، لاسيما في ما يتعلق بالإعلام الذي يستهدف المجتمعات المختلفة، أحد معايير تقييم ممارسات تراخيص البث؛
  • الحرص على أن تتمكن المجموعات المحرومة والمستبعدة من الوصول بشكل منصف إلى موارد الإعلام، بما في ذلك فرص التدريب.

 

يجب أن تكون قيم القطاع العام في الإعلام محمية ومعززة من خلال تغيير أنظمة الإعلام الخاضعة لسيطرة الدولة أو الحكومة، ومن خلال تقوية شبكات البث التابعة للقطاع العام، وأيضًا من خلال تأمين التمويل المناسب لوسائل إعلام القطاع العام، وذلك من أجل ضمان التعددية وحرية التعبير والمساواة في مشهد إعلامي يتغير باستمرار.

مبادئ كامدن، المرجع آنف الذكر، المبدأ الخامس

حملات التثقيف والإعلام العام

تشكل حملات التثقيف والإعلام العام أساسًا لمحاربة الصور النمطية السلبية والتمييزية ضد الأفراد بناءً على خصائصهم المشمولة بالحماية. يمكن لمثل هذه الحملات، بالاستناد إلى معلومات دقيقة، أن تبدد الأساطير الشعبية والتصورات الخاطئة، كما من شأنها أن تمنح الأفراد ثقة أكبر بنفسهم للتعرف على مظاهر عدم تقبل الآخر ومواجهتها في تعاطيهم اليومي مع الآخرين.

العدالة التحويلية

على ضوء انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة النطاق، بما في ذلك التمييز المنتشر والمنهجي، أثبتت الآليات الضامنة للحقيقة والعدالة والمصالحة والتعويضات أنها وسائل إيجابية خارج نطاق القضاء لتكوين تفسير موثوق به ومشترك عن “الحقيقة” وراء الأحداث التاريخية، فتوفر بذلك أساسًا للمصالحة في المجتمعات المنقسمة.

 

بالمقابل، في الأماكن حيث تحظر المناقشات المفتوحة والشاملة والمناظرات النقدية حول الأحداث التاريخية لصالح “الحقائق” المعلنة من طرف أحادي أو المفروضة قانونيًا، قد يترسخ البغض وعدم الثقة الكامنين بين المجتمعات المختلفة ليشكلا خطر احتمال تكرر الصراعات.

 

يمكن للدول أن تلعب دورًا مهمًا عبر الاعتراف رسميًا وعلنًا بأثر ومخلفات أفعال التمييز والعنف أو مشاكلها المنهجية، بالإضافة إلى وضع علامة رمزية على أحداث أو أوقات معينة للتغلب على هذه الأفعال وضمان تصحيحها. ويتم ذلك عادة عبر تكريس مواقع عامة، كالمعالم والمتاحف والمساحات التي تجمع أفراد المجتمع المحلي، وبذل جهود على نطاق أوسع لمساعدة الأشخاص في تقبل ما حصل واستيعابه.

4. ماذا تستطيع فعله الأطراف المعنية الأخرى؟

إلى جانب الدولة، يمكن أن تلعب الأطراف المعنية الأخرى دورًا كبيرًا في تعزيز المساواة وعدم التمييز وكذلك الحق في حرية التعبير. ويعد ذلك بنظر الكثيرين جزءًا محوريًا من مسؤولياتهم المشتركة و/أو الاجتماعية.

مبادرات المجتمع المدني

يلعب المجتمع المدني دورًا حاسمًا في النهوض بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها، حتى حيث لا يشكل ذلك جزءًا مركزيًا من صلاحياته. ويمكن لنشاطات المجتمع المدني أن تكون محورية في الاستجابة لخطاب الكراهية، بما انه يسعها توفير المساحة اللازمة للتفاعل الرسمي وغير الرسمي بين أشخاص من الخلفية نفسها أو من خلفيات مختلفة، والمنصات التي يمكن من خلالها أن يمارس الأفراد حقهم في حرية التعبير ومواجهة عدم المساواة والتمييز. على المستوى المحلي والوطني والإقليمي كما الدولي، تعد مبادرات المجتمع المدني من بين المبادرات الأكثر فعالية وابتكارًا لمراقبة والاستجابة لحالات العنف وعدم تقبل الآخر، فضلاً عن مواجهة خطاب الكراهية.

في الكثير من الأحيان، تكون مبادرات المجتمع المدني مصممة ومنفذة من قبل الأفراد والمجتمعات المحلية الأكثر تأثرًا بالتمييز والعنف، فيوفرون فرصًا فريدة من نوعها لبعث رسائل إيجابية إلى العامة وتثقيفهم بالإضافة إلى مراقبة طبيعة التمييز والأثر الذي يخلفه. إن ضمان وجود بيئة سالمة وملائمة تمكّن المجتمع المدني من العمل هو أيضًا أمر أساسي.

تعبئة الفاعلين المؤثرين والتحالف بين المؤسسات

يتطلب تعزيز الفهم العام للتمييز وآثاره تعزيز الحوار والمشاركة بين الحكومة والمجتمع المدني والمجتمع ككل. وعلى الفاعلين الأساسيين محاولة بناء تحالفات للتعاون في مواجهة مظاهر عدم تقبل الآخر والأحكام المسبقة في المجتمع ولاسيما في التماس الدعم من المنظمات غير الحكومية والشرطة وصناع السياسات والهيئات التي تعنى بالمساواة والفنانين والمؤسسات الدينية والمنظمات الدولية للتنسيق معًا في مواجهة مظاهر عدم تقبل الآخر والأحكام المسبقة في المجتمع.

دور الإعلام المستقل والتعددي

على التدابير المتعلقة بالسياسة العامة لمواجهة خطاب الكراهية والمتوجهة للإعلام أن تحترم المبدأ الأساسي الذي يقول بأن أي شكل من أشكال تنظيم الإعلام يجب أن تتخذها هيئات مستقلة غير متأثرة بأي جهة سياسية، تخضع للمساءلة علنًا وتعمل بشفافية. ولا يجب المس باستقلالية هيئات التحرير وتعددية الإعلام، بما أنهما عاملين أساسيين في سير أي مجتمع ديمقراطي.

في ما يخص وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، ينبغي على إطار العمل التنظيمي أن يعزز حقوق الأقليات والمجموعات المهمشة في الوصول بحرية إلى الإعلام والمعلومات وتكنولوجيا الاتصالات لإنتاج محتوى خاص بهم ونشره، وأيضًا لتلقي محتوى من إنتاج أشخاص آخرين، بصرف النظر عن الحدود الجغرافية

يجب على وسائل الإعلام بأشكالها كافة أن تعترف بأن لديها مسؤولية أخلاقية واجتماعية في تعزيز المساواة وعدم التمييز في ما بين الأفراد الذين يتمتعون بأوسع مجموعة ممكنة من الخصائص المشمولة بالحماية. في ما يتعلق بالبنية الخاصة بكل وسيلة إعلام، فعلى هذه الأخيرة أن تتخذ خطوات من أجل: [1]

  • الحرص على أن تكون القوى العاملة لديها متنوعة وأن تمثل المجتمع ككل؛
  • تناول أكبر قدر ممكن من المسائل التي تهم جميع فئات المجتمع؛
  • البحث عن مصادر وأصوات متعددة ضمن مجتمعات محلية مختلفة عوضًا عن تمثيل المجتمعات على أنها كيانات متجانسة وأحادية اللون؛
  • الالتزام، لدى توفير المعلومات، بمعايير عالية تتماشى مع المعايير المهنية والأخلاقية المعترف بها؛
  • وضع قواعد سلوك مهنية لوسائل الإعلام والصحافيين تعكس مبادئ المساواة والعمل على تطبيقها بفعالية.

 

لمكافحة التمييز بشكل استباقي، على وسائل الإعلام أن تأخذ في الحساب:

  • الحرص على نقل الأخبار ضمن سياقها وبطريقة دقيقة ومراعية؛
  • الحرص على لفت انتباه العامة إلى الأفعال الناتجة من التمييز؛
  • الانتباه إلى خطر تعزيز التمييز أو الصور النمطية السلبية ضد الأفراد والمجموعات في الإعلام؛
  • تجنب الإشارة غير الضرورية إلى العرق والدين والجنس والميول الجنسية والهوية الجندرية وغيرها من خصائص المجموعات التي من شأنها أن تعزز عدم تقبل الآخر؛
  • زيادة الوعي تجاه الأذى الذي يسببه التمييز والتنميط السلبي؛
  • إعداد تقارير عن فئات ومجتمعات محلية مختلفة ومنح أفرادها فرصًا للتعبير عن أنفسهم وإيصال صوتهم بطريقة تسمح للآخرين بفهمهم بشكل أفضل، وتعكس بالوقت نفسه وجهات نظر هذه الفئات والمجتمعات المحلية؛
  • برامج التنمية المهنية التي تزيد الوعي حول الدور الذي يمكن أن يؤديه الإعلام في تعزيز المساواة وضرورة تجنب الصور النمطية السلبية. [2]

 

يجب إلزام وسائل إعلام القطاع العام بتجنب الصور النمطية السلبية ضد الأفراد أو المجموعات، ويجب أن تلزمها ولايتها بتعزيز التفاهم بين المجموعات والحث على فهم أفضل للمجتمعات المحلية المختلفة وللمشاكل التي تواجهها.

في ما يتعلق بسبل الانتصاف المتاحة من خلال أنظمة المراقبة الذاتية، لا بد من ضمان حق التصحيح أو الرد من أجل حماية الحق في حرية التعبير والمساواة. ويفترض لذلك أن يسمح للأفراد بمطالبة الوسيلة الإعلامية بنشر أو بث تصحيح للمعلومات في حال قامت بنشر أو بث معلومات غير صحيحة.

 

دور وسطاء الإنترنت

يُسلط الضوء بشكل متزايد على دور وسطاء الانترنت في تحديد خطاب الكراهية والرد عليه.

 

إن وسطاء الانترنت، بمن فيهم شركات استضافة مواقع الانترنت، ومزودي خدمات الانترنت، ومحركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي كلها تلعب دورًا حاسمًا في تمكين الأشخاص من الوصول إلى المعلومات عبر الانترنت. هي على الأغلب شركات خاصة تعمل في عدة بلدان. صحيح أن هذه الشركات لا تعمل بشكل أساسي على ابتكار المحتوى أو تعديله بل تسهل عملية التواصل بين المستخدمين، إلا أنها باتت تُستخدم بشكل متزايد في إدارة المحتوى. في بعض الحالات، يتطلب ذلك التدخل المباشر والتنظيم من جانب الدولة أو اعتماد أنظمة المسؤولية المدنية التي تفرض على الوسطاء مراقبة وإزالة المحتوى غير القانوني المزعوم. وتؤثر هذه العوامل على طريقة عمل الوسطاء في إدارة المحتوى.

 

يقوم الوسطاء أيضًا بمبادرات طوعية لوضع شروط على استخدام خدماتها، محتفظين في بعض الأحيان بدور الميسر أو المنسق. إن هذه “الشروط والأحكام”، التي تعطى أحيانًا تسمية مختلفة كي لا تبدو كجزء من عقد ملزم مثل “المعايير المجتمعية” أو “الخطوط التوجيهية”، تختلف بنوع التعابير التي تقيدها، علمًا أن الكثير منها يضم حظرًا لخطاب الكراهية أو ما يعادله. وتختلف مقاربات إدارة المحتوى إلى حد بعيد وكذلك الأمر بالنسبة إلى درجات الشفافية حول عملية الإدارة وتوفر الآليات الداخلية للطعن في قرار إداري.

 

يبدو أن عوامل عديدة تعمل على تحفيز التوجه بشكل أكبر نحو إزالة الوسطاء للمحتوى الذي يظهر خطاب الكراهية، بما في ذلك:

 

  • زيادة الضغط لجعل سياسات الوسطاء تتوافق مع القوانين الوطنية في عدة دول حيث يرغبون بالحفاظ على عملياتهم أو توسيعها، علمًا أن كثيرًا من هذه العمليات لا يتماشى مع المعايير الدولية لحرية التعبير ويؤدي غالبًا إلى تطبيق بعض من جوانب هذه المعايير أو المعيار ذي القاسم المشترك الأدنى؛
  • زيادة الضغط لتعاون الدول وأحيانًا العامة في التعامل مع الهواجس التي يسببها خطاب الكراهية، مع تشجيع إدارة المحتوى من خلال الرقابة الذاتية لتجنب فرض الرقابة بأشكال قسرية وذات كلفة أعلى؛
  • والاستجابات للضغط التجاري من قبل وكالات الإعلان أو غيرهم من مصادر الدخل الذين لا يرغبون في أن يرتبط اسمهم بخطاب الكراهية المزعوم.

 

ثمة عدد من المخاوف حول دور الوسطاء في إدارة المحتوى، بما في ذلك خطاب الكراهية. وتتمحور أبرز هذه المخاوف حول:

  • حماية غير ملائمة لحرية التعبير: تميل الشروط والأحكام المتبعة من قبل الكثير من الوسطاء إلى الحد من التعبير على نطاق أوسع من ذاك الذي يأذن للدول تقيده بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. إن حجم ما يسمى بالرقابة الخاصة كبير ويثير أسئلة تتعلق بالمسؤوليات الأخلاقية والاجتماعية في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها. وغالبًا ما تتغاضى المبادرات المخصصة لتشجيع الوسطاء على أخذ هذه المسؤوليات على محمل الجد عن المخاوف المتعلقة بالحق في حرية التعبير. بالإضافة إلى ذلك، ثمة شكوك جدية حيال أهلية الأعمال التجارية، التي تحركها أولاً دوافع الربح، للحكم بموضوعية عل الحقوق والمصالح المتضاربة.
  • غياب الشفافية والمساءلة في عملية صنع القرار من جهة الوسطاء عند إزالة المحتوى، بما يشمل كيفية رصد المحتوى غير المقبول وإزالته (مثلاً إذا كانت عملية إدارة المحتوى تتم آليًا، وفي حال لم تكن كذلك، فما هو التدريب والدعم الذي يحصل عليه الوسطاء). الكثير من الوسطاء لا ينشرون معلومات حول ما يزيلونه من محتوى بمبادرة خاصة منهم، بعكس ما تتم إزالته استجابة لطلب من الدولة أو أعمال تجارية أخرى. ويؤدي ذلك إلى وضع عراقيل أمام أي تحليل أو تقييم لأداء الوسطاء في ما يتعلق بالرقابة الخاصة.
  • غياب ضمانات إجرائية وعدم الوصول إلى سبل انتصاف فعالة في إزالة المحتوى، أو في فرض عقوبات على الوسطاء. ثمة مخاوف بأن تقوم الدول باستغلال آليات التبليغ أو تأثيرها على الشركات الخاصة لطلب إزالة محتوى لا يسعها إزالته بنفسها عن طريق القانون، أو الالتفاف على الضمانات الإجرائية التي تحد من أي قوى جبرية قد تمتلكها الدول في هذا المجال. إن نقل إدارة المحتوى من يد الدولة إلى الوسطاء يحرم المستخدمين من أي فرصة للطعن بالعقوبات المقامة ضدهم أو الاعتراض عليها.

 

صحيح أن في السنوات الأخيرة، تم ابتكار أساليب جديدة لتمكين المستخدمين من التبليغ عن أي محتوى يعكس خطاب الكراهية لإزالته، إما لأنه يعتبر غير قانوني أو مخالفًا لأحكام خدمات أحد الوسطاء، إلا أنه لم تستحدث ابتكارات مشابهة لتمكين المستخدمين من الوقاية من إزالة أي محتوى بشكل غير عادل أو غير مبرر. وبالفعل، يبدو أن معظم الوسطاء لا يُعلمون المستخدمين عند إزالة المحتوى ولا يطلعونهم على الأسباب وراء ذلك. وإلى جانب إزالة المحتوى، فإن عقوبات أخرى يفرضها الوسطاء كتعليق بعض الحسابات أو حظرها نادرًا ما تترافق مع إنذارات أو فرص للاستئناف أو الانتصاف.

 

  • لإزالة المحتوى أثر غير متناسب على المستخدمين الذين يتبنون آراء مخالفة أو ممثلة للأقليات: بما أن الكثير من نماذج الإدارة الخاصة بالوسطاء تعتمد على تبليغات المستخدمين، قد تجذب الآراء المخالفة أو الممثلة للأقليات عددًا أكبر من التبليغات وبالتالي قد تكون أكثر عرضة للإزالة. من هنا، فإن مستخدمي الإنترنت نفسهم الذين يوجَه خطاب الكراهية ضدهم قد يجدون أنفسهم أيضًا مستهدفين عن عمد من خلال أدوات التبليغ ومتأثرين بشكل أكثر من غيرهم بإزالة المحتوى والعقوبات ضد الحسابات. ويعكس ذلك حقيقة مؤلمة تظهر أن الكثير من مستخدمي الانترنت الذين يبلغون عن المحتوى هم غير قادرين على أو ربما غير مهتمين بالتمييز بين المحتوى غير القانوني أو المؤذي والمحتوى الذي يريدون إزالته ببساطة على أساس أحكامهم المسبقة.

 

تحث المادة 19 المستخدمين على أخذ مسؤوليتهم الأخلاقية والاجتماعية بجدية من أجل تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، بما يتوافق مع مبادئ روجي.

في هذا الشأن، وكجزء من الرقابة الذاتية الطوعية، نشجع الوسطاء على:

 

  • إضافة إلى شروطهم وأحكامهم بند الالتزام الصريح بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، بما في ذلك الحق في حرية التعبير والحق في المساواة وعدم التمييز؛
  • ضمان حق المستخدمين في إغفال هويتهم كخيار مفترض، من دون شرط استخدام “أسماء حقيقية” أو تقديم وثائق إثبات هوية لفتح حساب على وسائل التواصل الاجتماعي والاحتفاظ به؛
  • الحرص على تحديد القيود المفروضة على المحتوى في الأحكام والشروط بشكل واضح يسهل الاطلاع عليه حتى يتمكن المستخدمون من فهم أنواع المحتوى التي قد تفرض عليها قيود؛
  • الحرص على أن تكون أي عملية لتطبيق العقوبات على المستخدمين، بما فيها إزالة المحتوى أو تعليق الحسابات، مفصلة بوضوح ضمن الأحكام والشروط؛
  • استكشاف آليات لتمكين المستخدمين من الرد على خطاب الكراهية والاعتراض عليه، بدلا من أن يكون الرد الأول بإزالة المحتوى من قبل الوسطاء؛ ويمكن لذلك أن يشمل زيادة الوعي بين المستخدمين حول أهمية الحق في حرية التعبير والمساواة وعدم التمييز؛
  • فرض على المستخدمين منح معلومات كافية لدى تقديم شكوى ضد محتوى معين، لتشمل الآتي: المحتوى المطروح؛ أسباب طلب إزالة المحتوى؛ تفاصيل عن المشتكي؛ وإعلان حسن نية؛
  • الحرص على أن تفر ض الأحكام والشروط، في ما يتعلق بخطاب الكراهية، سقفًا عاليًا للقيود، بما يعكس بأكبر قدر ممكن المعايير المشار إليها في الجزء الثالث من مجموعة الأدوات هذه؛
  • ضمان التكافؤ في تنفيذ أي عقوبات على المستخدمين الذين ينتهكون الأحكام والشروط، مع الأخذ في الاعتبار الأذى الذي يسببه الانتهاك المزعوم وأداء المستخدم على منصة التواصل. إن تعليق عمل المنصات بجب أن يكون تدبيرًا يُتخذ كملاذ أخير؛
  • الحرص على تلقي المستخدمين إنذارًا مسبقًا ومفصلا بالشكاوى المقدمة ضد المحتوى الذي نشروه، مع امكانية الطعن بالشكوى أو الاعتراض عليها قبل فرض العقوبات. في غياب الإنذار المسبق، ينبغي على الوسطاء، كحد أدنى، إرسال إنذار بأثر رجعي لإزالة المحتوى، بما في ذلك أسباب إزالة المحتوى وتوفر آليات داخلية للطعن بهذا القرار.

وفقًا للمبدأ السادس من مبادئ كامدن  

دور الحوار الهادف بين المجموعات

يعد غياب التواصل الهادف بين المجموعات نتيجة العزلة والانغلاق عاملاً بارزًا يساهم في التوترات بين المجموعات، حيث يسود خطاب الكراهية بشكل أكبر ويرجح زيادة التحريض على العنف والعدائية والتمييز.

 

إن الحوار المتواصل والفعال بين المجموعات المختلفة، ولاسيما بين مجموعات محلية من أديان أو معتقدات مختلفة، من شأنه أن يشكل تدبيرًا وقائيًا فعالاً من خلال النجاح في التخفيف من التوترات أو الريبة بين المجموعات. وقد يكون ذلك ناجعًا بصورة خاصة في الأطر حيث يوجد تاريخ من التوترات المتصاعدة بين المجموعات لتصل إلى التحريض على أو حتى وقوع حالات عنف وتمييز.  ولكن، ليكون الحوار فعالاً يجب أن يوفر مساحات لتبادل الآراء على نحو فعلي وغير رمزي وأن يسمح بمناقشة الاختلافات والتباينات في الرأي. كذلك ينبغي على الحوار أن يكون شاملاً ويسمح بتمثيل المجتمع المحلي بما يتجاوز القادة التقليديين.

 

 

 

بالإضافة إلى ذلك، إن التبادل غير الرسمي للآراء بين المجتمعات المحلية، بعيدًا عن الحوار بين المجموعات، على سبيل المثال في مجال الرياضة أو التبادلات الثقافية، أو الهادف لمعالجة المسائل العملية التي تشكل مصدر اهتمام عام، يمكنه أيضًا أن يشكل تمارين مهمة لبناء الثقة والعلاقات. ويمكن تعزيز أثر الحوار بين المجموعات ومبادرات التواصل في الأماكن التي تلقى فيها دعمًا من الحكومة.

 

خارج إطار الحوارات الرسمية وغير الرسمية، يجب تمكين الممثلين عن المجتمعات المحلية المختلفة، ولاسيما زعماء الأديان وغيرهم من زعماء المجتمعات، من التصدي للتمييز وعدم تقبل الآخر. إن لذلك أهمية بالغة حيث يُظهر مؤيدو التمييز وعدم تقبل الآخر أنفسهم على أنهم يمثلون المجموعات أو جماعات المصالح أو يتصرفون بالنيابة عنها. إن زعماء الأديان والمجتمعات المحلية قادرين ليس على رفض هذا التمثيل وادعائه فحسب بل أيضًا على المشاركة إلى حد بعيد في مواقف الأفراد ومواجهتها وبالتالي طرح خطاب مضاد مقنع.