متى يمكن تقييد الحقّ في حريّة التعبير؟
القيود على خطاب الكراهية
في الحالات القصوى، يمكن للدول منع أي خطاب يحرض على العداوة ويشجع على العنف أو يدعو لارتكاب التطهير العرقي بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ولأن حريّة التعبير مهمة للغاية، لا بد أن يكون أي قيد يفرض عليها استثنائيًا ومحددًا بشكلٍ واضح ومسوّغًا بدقة. إذ لا يكتفي القانون الدولي لحقوق الإنسان بوضع خطوط حمراء بشأن ما يمكن التعبير عنه وما لا يمكن التعبير عنه أيضًا، بل يحدد أيضًا معايير صارمة يجب أن تلتزم بها الدول لتسويغ وتبرير أي تدابير تتخذها لفرض قيود على حريّة التعبير.
غالبًا ما تسمى هذه المعايير بـ” الفحص الثلاثي الأجزاء”
الفحص الثلاثي الأجزاء
- المعيار القانوني
يجب أن تحدد القيود المفروض بوضوح في قانون يمكن للجميع الاطلاع عليه. وهذا يضمن أن يتمكن الناس من فهم القوانين بحيث يمكنهم تعديل سلوكهم وفقًا لأحكامها.
- معيار الشرعية
يجب أن تهدف القيود المفروضة إلى تحقيق مجموعة محددة ومحدودة من الأهداف التي يحددها القانون الدولي (مثل حماية حقوق الآخرين من أجل النظام العام أو الأمن القومي)؛
- معيار الضرورة والتناسب
لا بد للقيود أن تكون ضرورية وهذا يعني أن الدول يجب أن تكون قادرة على تبيان وجود تهديد فعلي بأذية قائمة على التمييز ضد شخص أو مجموعة وتبيان أن فرض القيود على التعبير هو الطريقة الوحيدة لمنع هذه الأذية. وفي حال توفر طرق أخرى لمنع الأذية يجب استخدامها أولاً. ولا بد أيضًا أن تتناسب القيود المفروضة مع التهديد، وهذا يعني أنه في حال ورود جملة واحدة في مقال إخباري يحرّض على العنف، من غير المناسب حجب الموقع بأكمله.
يحمي توخي الوضوح والدقة في القوانين التي تقيّد حرية التعبير، من اتهام الانتقادات المشروعة أو المعارضة بأنها “خطاب كراهية”.
تعتبر القيود التي لا تتماشى مع كل هذه المعايير انتهاكًا للحق في حرية التعبير.
التنبه والحذر
لا بد من تحديد المحظورات بوعي وحذر وفقًا لمقاربة واضحة السياق.
من شأن القيود المفروضة بشكل مبهم أن تقوّض قدرة الناس على مواجهة الأحكام المسبقة والتمييز بأنفسهم.
فمن السهولة بمكان الافتراض خطأً بإن متحدثين يقصدون الأذية في حين أن هدفهم الحثّ على التفكير أو النقاش. ومن السهولة بمكان أيضًا تقدير تأثير متحدثٍ ما بشكلٍ خاطئ.
علينا أن نحافظ على توازن دقيق يضمن ألّا تستغل المحظورات وتستخدم لحماية السلطة من الانتقادات المشروعة.
لا بد أن نكون قادرين على محاسبة ومساءلة من هم في السلطة من دون التعرّض للأذية.
مستوى الخطورة المقبول
يساعد الاختبار السداسي الأجزاء الذي وضعته منظمة “المادة 19″، في تحديد الحالات التي تكون المحظورات على خطاب الكراهية مبررة.
يتطرق هذا الاختبار لسياق التعبير ومكانة المتحدث ونواياه والمحتوى نفسه، ومدى تأثير التعبير بذاته واحتمالية حدوث أذية.
هرم أنواع خطاب الكراهية
في حين أن حظر كل أنواع خطاب الكراهية قد يمنعنا من تبادل الأفكار والتعلّم من بعضنا البعض، لا بد من حظر خطاب الكراهية العنيف في بعض الحالات لأن ذلك قد يتسبب بأذية خطيرة.
يعرض الهرم الوارد أدناه، مستويات خطاب الكراهية المختلفة وفقًا لمستوى خطورتها، مما يسهّل تحديد طريقة الاستجابة المناسبة مع خطاب الكراهية.
يجب فرض قيود عليه (اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها/ نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية)
يظهر هذا المستوى خطاب الكراهية الذي يجب أن يمنع. وينص القانون الجنائي الدولي على منع الحكومات للتحريض على ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية. تعرّف المادة 2 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها “الإبادة الجماعية”، على أنها التفويض بارتكاب أحد الأفعال الخمسة “المرتكبة بنية تدمير، كليًا أو جزئيًا” مجموعة وطنية أو إثنية أو عرقية أو دينية معيّنة”. المادة 3 (ج) تمنع “التحريض العلني والمباشر على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية”.
مثاليجب فرض قيود عليه (المادة 20 (2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)
في هذا المستوى خطاب الكراهية الذي يجب أن يمنع. وتنص المادة 20 الفقرة الثانية من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على منع الحكومات لبعض أشكال “خطاب الكراهية” الخطيرة، بما في ذلك من خلال تدابير جنائية ومدنية وإدارية. وقد تتضمن الترويج للكراهية القائمة على التمييز مما يشكّل تحريضًا على العدائية أو التمييز أو العنف.
مثاليمكن فرض قيود عليه (المادة 19 (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)
يظهر لنا هذا المستوى “خطاب الكراهية” الذي قد لا يشكّل “تحريضًا” ولكنه قد يؤدي مع ذلك إلى مخاطر جدية. “خطاب الكراهية” في هذا المستوى قد لا يتضمن تهديدات مباشرة بارتكاب العنف ضد شخص أو مجموعة أشخاص بسبب هويتهم (أي أن المتحدث لا يحرّض الآخرين على ارتكاب أعمال عنف ولكنه يهدد بارتكاب أعمال بنفسه).
قد تحظر الحكومات أشكال أخرى من “خطاب الكراهية”، على أن تتماشى مع مقتضيات المادة 19 (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تسمح للحكومات بوضع قيود على التعبير “لحماية حقوق الآخرين”، و”لحماية النظام العام”، على أن تتماشى تلك القيود مع “الفحص الثلاثي الأقسام”.
مثاليجب حمايته (المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)
“خطاب الكراهية” القانوني. قد يتضمن ذلك الخطاب الناتج عن الصور النمطية أو التحيزات والتعليقات غير اللائقة. في حين أن مثل هذا التعبير قد يثير المخاوف بشأن عدم التسامح ويجب أن يواجه بسياسة تضعها الدولة؛ ويجب حمايته بموجب المادة 19 (2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.ولكن، المواقف التمييزية التي يبديها هذا النوع من التعبير تثير القلق لجهة عدم التسامح، وبالتالي تستوجب أن تتعامل معها الحكومات. إلا أن التعامل معها يجب أن يتم وفقًا لتدابير أخرى، مثل التربية أو السياسات التي يعبّر فيها المسؤولون عن رفضهم للكراهية، عوضًا عن الاستعانة بالقوانين التي تعاقب هذا التعبير بذاته.
مثالExamples
يتوجه قائد إحدى المجموعات المسلحة المهمة التي تسيطر على جزء من أراضي البلاد لعموم الناس بشكلٍ دوري عبر فيديوهات على الإنترنت. تؤمن هذه المجموعة المسلّحة بتفوقها على الآخرين على أساس معتقدها الديني وتعبّر بصراحة عن سعيها لتأسيس حكم ديني. ومع اضمحلال حكم القانون في تلك الأراضي وتراجع مستوى الخدمات الحكومية، حمّل هذا القائد أقليّة دينية مسؤولية هذه المشاكل بواسطة سلسلة من منشورات الفيديو على الإنترنت. يلمح خطابه إلى أن تلك الأقلية تقوم بأعمال تخريبية وتخطط لتمرّد عنيف. ومع ارتفاع منسوب التوتر في البلاد، يدعو فيديو جديد “المؤمنين” إلى العمل فورًا على ضمان مستقبل “طاهر” للدولة الناشئة المرتقبة. ويدعو إلى “تنظيف” الشوارع بدماء الأقلية الدينية تلك، لا سيما دماء رجالها، ويقول أن مصير نساء تلك الأقلية هو السبي لاستغلالهن جنسيًا، وأن أطفالهم سيربون وفقًا لتعاليم دين الأكثرية.
يصف هذا السيناريو بشكلٍ واضح تحريضًا على ارتكاب جرم الإبادة الجماعية، الممنوع بموجب الاتفاقية الخاصة بجرائم الإبادة الجماعية ونظام روما (المشار إليهما باسم القانون الجنائي الدولي). إلى جانب شروط المادة 20 الفقرة الثانية من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يستوجب التحريض على ارتكاب جريمة إبادة جماعية إثبات توفر نية محددة بارتكاب هكذا جريمة نتيجة للتحريض. تعتبر النية عنصر أساسي في هذه الحالات، إذ يجب إثبات وجوده ضروري في هذه الحالات، ويجب إثبات أن نية المتحدث هي التحريض على التدمير، الكامل أو الجزئي لمجموعة عرقية أو وطنية أو دينية.
منصب القيادة ومستوى تأثير المتحدث، بالإضافة إلى حديثه عن النقاء الديني، ومحتوى الفيديو الأحدث الذي نشره، يظهر نية واضحة بارتكاب إبادة جماعية ضد الأقلية الدينية الموجودة ضمن نطاق أراضيه.
Examples
أثناء حملة انتخابية رئاسية تحتدم فيها المنافسة، يلقي الرئيس الحالي سلسلة من الخطاب في مهرجانات سياسية أمام جموعٍ غفيرة. خلال هذه المهرجانات، ينشر هذا الرئيس إشاعة عن مناصري الفريق المعارض له، المنتمين بأغلبيتهم لمجموعة عرقية أخرى، ومفادها أنهم بدأوا بتسليح أنفسهم وباتوا يشكلون تهديدًا وجوديًا على مناصريه. ومع ارتفاع منسوب التوترات، يتلفظ الرئيس هذا بكلام متطرف، يذكر فيه تعليمات استخدمت في عمليات قتل جماعي ارتكبت في البلاد قبل بضعة عقود، داعيًا مناصريه إلى اتخاذ التدابير الضرورية لضمان الفوز في الانتخابات.
في هذه الحالة، يعتمد الرئيس “خطاب كراهية” قد يصل على الأرجح إلى مستوى الخطورة الأقصى للتشجيع على الكراهية الذي يتمثل في التحريض على العنف. فهو يعرف جيدًا التوترات العرقية في المجتمع ويقوم باستغلالها، ويعرف، بكونه سياسي مؤثر، أن استخدام مصطلحٍ معيّن سيفهم بطريقة معيّنة وسيتصرف أفرادٌ من الجموع على أساسه بشكلٍ عنيف مع أفراد من المجموعة العرقية المرتبطة بالمعارضة. وإن أدى ذلك إلى أعمال عنفية أم لا، تجريم هذا النوع من “خطاب الكراهية” مبرر على أنه “جرائم كراهية”.
Examples
تصعد عائلة لاجئة على متن باصٍ مكتظ وتجلس على مقاعد عدّة. تحتج راكبة أخرى لم تجد مقعدًا لتجلس جهارةً ملقية باللوم على اللاجئين لاستنزافهم للموارد العامة. ومن ثمّ تتهجم لفظيًا على الوالد مستخدمة تعابير عنصرية لإهانة العائلة، فتخاف العائلة على سلامتها بسبب هذا التهجم.
في دول متعددة، تمنع القوانين الخاصة بالنظام العام أي سلوك يخيف الآخرين عن قصد، لا سيما حين يتسبب هكذا سلوك بالخوف من الاعتداء. غالبًا ما تعترف القوانين باعتداءات أكثر خطورة، يكون فيها دافع المعتدي نوعًا من أنواع الانحياز (العنصرية مثلاً). قد تمنع القوانين الخاصة “بخطاب الكراهية” أحيانًا هذا النوع من السلوك الترهيبي.
وفي حين أن التلفظ بتعليقات مهينة على وسائل النقل العام قد لا يبرر تدخل القوانين الجنائية، قد تعتبر القيود مبررة بموجب المادة 19 (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حين يشعر أفراد بالتهديد أو الخوف على سلامتهم الآنية. ولكن، يجب أن يكون أي عقاب متناسبًا مع الفعل المرتكب. وفقًا لخطورة الموقف، قد يعتبر إصدار إنذار رسمي من الشرطة، أو أمر بدفع تعويض للضحايا أو تأدية خدمة عامة عقوبة مناسبة أكثر من وضع المرتكب في السجن. تتوفر أيضًا تدابير أخرى قد تتخذها الحكومات لمنع حدوث أذية، على سبيل المثال، من خلال حملات ضد “خطاب الكراهية” والسلوك الترهيبي في وسائل النقل العام.
لا بد من التمييز بين هذا السلوك وبين مناصرة الكراهية التي تشكّل “تحريضًا”، التي يجب تقييدها. وفي حين أن خطورة التهديدات اللفظية والاعتداءات في حالات معيّنة قد توازي خطورة التحريض، العوامل السياقية ذات الصلة التي يجب أخذها بعين الاعتبار مختلفة. في حالة هذه العائلة اللاجئة، مستوى تأثير تلك الامرأة على الناس المحيطة بها (أي ركاب الباص الآخرين) لا يثير القلق، وليس من المرجح أن يدفع ما قالته بالركاب الآخرين على ارتكاب أعمال عنف ضد اللاجئين.
Examples
هل يجب أن يسجن؟
بعد تعرّض دار عبادة تقصدها مجموعة دينية أكثريّة لعملية تفجير، كتب مستخدم لفايسبوك غير مرتبط بالهجوم منشورًا للعموم يرد فيه كلامًا وقحًا وتمييزيًا بأن الضحايا “يستحقون ما حلّ بهم”. لمستخدم فايسبوك هذا مئات “الأصدقاء، وتسبب المنشور هذا بردود غاضبة من الطرفين؛ هذا المستخدم ليس سياسيًا ولا مسؤولاً عامًا.
“يستحقون ما حلّ بهم”
في بلدان متعددة، قد تستخدم التشريعات الخاصة بمكافحة الإرهاب المبهمة، على سبيل المثال تلك المتعلقة “بالتبرير” أو “تمجيد” الإرهاب، بشكلٍ خاطئ لملاحقة مستخدم الفايسبوك هذا، حتى لو كان ما عبّر عنه لا ينمّ على الأرجح عن نية ارتكاب هجموم إرهابي أو يحرض على ذلك. ومع أن ما كتبه هذا الشخص مشين ويعتبر “خطاب كراهية”، من غير المرجح نظرًا للسياق، أن يتخطى هذا المنشور مستوى الخطر الأقصى لفرض قيود على خطاب الكراهية هذا.
وعلى الرغم من أن فايسبوك قد تقرر إزالة هذا المنشور بموجب شروط استخدام موقع الشركة، قد تجبر قانونًا بإزالته.
تقييم القيود المفروضة على التحريض بارتكاب أعمال عنفية
التحريض على التمييز أو العدائية أو العنف هو شكل محدد من أشكال “خطاب الكراهية” يستوجب توفر ثلاثة جهات:
- المتحدث الكاره ؛
- الجمهور العام، الذي قد يرتكب أعمالاً تمييزية أو عدائية أو عنفية؛
- المجموعة المستهدفة، التي قد تصبح ضحية مثل هذه الأفعال.
الاختبار السداسي الأجزاء
من أجل التمكن من تحديد الحالات التي يصبح فيه التحريض على التمييز أو العنف خطيرًا بما فيه الكفاية لفرض قيود، يمكن تطبيق الاختبار القانوني السداسي الأجزاء.